الأربعاء، 26 يناير 2011

في البحث عن المادة المظلمة في الكون

في البحث عن المادة المظلمة في الكون

منذ شهر سبتمبر من عام 2008 عمل علماء مع المنظمة الأوروبية للبحوث النووية والمعروفة إختصاراً بـ CERN لسنوات عدة على مشروع كان يُأمل منه أن يكون هدية عظيمة الفائدة للفيزياء النظرية ولنظرية الأوتار الفائقة String Theory ، وكان البعض قد أبدوا مخاوفهم عن آثاراً جانبية من تلك التجربة التي قد تسبب نهاية العالم وذلك عند بداية المشروع.

 يُعرف المشروع باسم " مصادم الجسيمات العملاق " أو إختصاراً بـ LHC وهو أقوى محطم للذرة تم بناؤه على الإطلاق و يتكون من حلقة من المغناطيس الفائق التبريد تمتد لمسافة 27 كيلومتر (17 ميل) على المحيط يتصل بأجهزة استشعار على هيئة براميل ضخمة، ويقع خلف الحدود السويسرية الفرنسية بالقرب من العاصمة جنيف .

يعتقد العلماء إنه يمكن استخدام هذا الجهاز لإثبات وجود " المادة المظلمة "Dark Matter الغير المرئية التي تؤلف أكثر من 96 ٪ من مادة الكون. كما يحتمل أن توجد أدلة على وجود أبعاد إضافية مما يساعد على إعطاء مزيد من دعم لصالح نظرية الأوتار الفائقة.

وكان النقاد قد عبروا عن مخاوفهم عند بدء العمل في المشروع من أن الإصطدامات في المسارع المذكور قد تسفر عن خلق ثقب أسود من شأنه أن يبتلع كامل كوكب الأرض وتدمير الحياة في نهاية المطاف كما نعرفها. ولكن التجارب مرت بسلام وأعطت نتائج مهمة لعلم فيزياء الكون (يمكن الإطلاع عليها هنا ).

مواد غير مرئية تشكل معظم مادة الكون

ربما كان من الطبيعي أن لا نمتلك المعرفة الكافية لكيفية خلق الكون ، فنحن لم نكن في ذلك الوقت لنشهد كيفية تشكله، في الواقع وجد علماء الفلك والفيزياء أن كل ما نراه في الكون من كواكب ونجوم ومجرات لا يشكل سوى نسبة ضئيلة مقدارها 4 ٪ من حجم الكون ، وليست الأشياء المرئية هي التي تحدد فقط الكون بل الفراغ من حولها أيضاً.

تشير  الأرصاد الكونية والفلكية الفيزيائية إلى أن معظم الكون يتكون من مواد غير مرئية لا ينبعث منها إشعاعات كهرومغناطيسية لذلك لن نتمكن من الكشف عنها مباشرة من خلال التلسكوبات أو الأدوات الأخرى المشابهة، يمكننا التحقق منها فقط من آثارها في الجاذبية مما يجعل من الصعب جداً دراستها وتُعرف تلك المواد الغامضة بـ "المادة المظلمة"و "الطاقة المظلمة ". ومازالت ماهية تلك المواد وكذلك لدور الذي تلعبه في تطور الكون لغزاً غامضاً لكن قد يكمن داخل هذا الظلام إمكانيات مثيرة للإهتمام وغير مكتشفة في الفيزياء .

المادة المظلمة Dark Matter
تشكل المادة المظلمة نحو 26 ٪ من الكون وجاءت اول اشارة عن وجودها في عام 1933 حينما كشفت الأرصاد الفلكية وحسابات الآثار الجاذبية أنه لا بد من وجود أشياء أخرى "مواد" لا يمكن للتلسكوبات أن تراها.

ويعتقد الباحثون في الوقت الراهن أن الآثار الجاذبية للمادة المظلمة تجعل المجرات تدور بشكل أسرع مما كان متوقعاً، وأن حقلها الجاذبي يحرف ضوء الأجسام خلفها. ولقد بين قياس تلك الآثار أن المادة المظلمة موجودة بالفعل ، وأنه يمكن استخدام تلك الآثار لتقدير كثافة المادة المظلمة على الرغم من عدم تمكننا من مراقبتها بشكل مباشر.

لكن ما هي المادة المظلمة ؟ يمكن فهمها على أنها تحتوي 'جسيمات فائقة ' supersymmetric particles أي أنها جسيمات إفتراضية على غرار تلك المعروفة بالفعل في النموذج القياسي. وقد تتمكن التجارب في مصادم الجسيمات العملاق LHC في العثور عليها.

الطاقة المظلمة Dark Energy
تشكل الطاقة المظلمة نحو 70 ٪ من الكون ، ويبدو أن لها صلة مع الفراغ في الفضاء فهي تتوزع بشكل متجانس في كل أنحاء الكون ليس فقط في المكان فقط بل في الزمان أيضاً وبعبارة أخرى لا يضعف تأثيرها مع توسع الكون.

حتى أن التوزيع المتساوي (المتجانس) لا يعني أن الطاقة المظلمة لا تملك أي آثار جاذبية محلية ، بل أن لها تأثير كلي على الكون بأكمله وهذا بدوره يؤدي إلى قوة طاردة تسبب في تسريع عملية توسع الكون. ويمكن قياس معدل التوسع وتسارعه من خلال الملاحظات المستندة الى قانون هابل. أكدت هذه القياسات جنباً إلى جنب مع بيانات علمية أخرى على وجود الطاقة المظلمة وقدمت تقديراًً مهماً على مدى إنتشار وجود هذه المواد الغامضة.

نظرية الأوتار الفائقة String Theory
تعتبر نظرية الأوتار الفائقة نظرية متطورة في فيزياء الجسيمات تحاول التوفيق بين ميكانيك الكم والنسبية العامة. وهي منافسة لـ " نظرية كل شيء " (TOE)، وطريقة لوصف القوى الأساسية المعروفة والمادة في نظام رياضي متكامل . لكن على أي نظرية أن تخضع لسلسلة من التنبؤات القابلة للاختبار التجريبي (وهي أمور مطلوبة) قبل أن تعتبر جزءاً من العلم.

ولتلك النظرية جذوراً في نموذج الرنين المزدوج (1969). ومنذ ذلك الوقت استخدم مصطلح " نظرية الاوتار " String Theory لكي يكون مدرجاً ضمن أي مجموعة من نظريات الأوتار. هناك الآن 5 نظريات رئيسية للأوتار تختلف فيما بينها بعدد الأبعاد التي تتشكل فيها الاوتار وفي خصائص الأوتار ، يبدو كلاً من تلك النظريات صحيح ، ولكن منذ منتصف التسعينيات تم اقتراح توحيد جميع النظريات السابقة في الأوتار ودعيت نظرية M-Theory التي تفترض بأن الأوتار في الواقع شرائح ذات بعد أحادي من أصل مستوي ثنائي البعد يهتز في فضاء مؤلف من 11 بعداً.

لتبسيط فهم نظرية الأوتار الفائقة فكر بـ وتر غيتار جرى ضبطه (دوزنته) من خلال تمديده بقوة توتر على طوله ، ستصدر نوتات موسيقية مختلفة إعتمادا على كيفية سحب الوتر ومقدار التوتر المطبق عليه ، ويمكن أن يقال هذه النوتات الموسيقية أنها أنماط التنغيم (الرنين) excitation modes لوتر الغيتار عند خضوعه للشد (التوتر).

وبطريقة مماثلة يمكن تشبيه الجسيمات الأولية التي نرصدها في مسارعات الجسيمات بـ "النوتات الموسيقية" أو أنماط التنغيم للأوتار الإبتدائية، وفي نظرية الأوتار كما في العزف على الجيتار ، يجب أن يُمد الوتر بقوة شد (توتر) من أجل أن يكون منغماً. ومع ذلك فإن الأوتار في نظرية الأوتار تطفو في الزمكان ، لأنها لا تتصل بغيتار كما أنها لا تملك توتراً .

إن كان على نظرية الأوتار أن تكون نظرية في جاذبية الكم فإن متوسط حجم الوتر ينبغي أن يكون قريباً في مكان ما من طول مقياس جاذبية الكم وهو يدعى بـ "طول بلانك"، يتراوح بين 10-33 سم ، أو أن يكون جزء من المليون من جزء من البليون من جزء من البليون من جزء من البليون من الـ سنتمتر.

لسوء الحظ فذلك يعني أن الأوتار شديدة الضآلة لكي يتم مشاهدتها من خلال تقنيات فيزياء الجسيمات الحالية أو المتأمل منها (مع وجود التمويل الكافي) وهكذا على المنظرين للأوتار استنباط أساليب أكثر ذكاء لإختبار نظرية بدلاً من البحث عن أوتار ضئيلة في تجارب الجسيمات .

تصنف نظريات الأوتار وفقاً لحاجة تلك الأوتار لتكون حلقات مغلقة من عدمها ، وفيما إذا كان طيف الجسيمات يحتوي على الفرميونات fermions . ومن أجل إدراج الفرميونات في نظرية الأوتار يجب أن يكون هناك نوع خاص من التماثل يدعى بـ "التماثل الفائق " supersymmetry ، وهو يعني أن لكل بوزون (جسيم ينقل القوة) هناك فرميون fermion مقابل له (وهي الجسيمات التي تشكل المادة). لذلك فإن للتماثل الفائق علاقة بالجسيمات التي تنقل القوة بين الجسيمات التي تؤلف بدورها المادة.

واخيراً ...ما زال مشروع مصادم الجسيمات العملاق LHC مستمراً ويرتقب أن  ينتهي العمل به مع أوائل  2011

شاهد الفيديو
عبارات نطق بها 4 من علماء الكون فجرى تلحينها إلى أغنية ، وتحمل عنوان We Are All Connected " جميعنا متصلون " ، لأننا من نفس مادة هذا الكون الذي لا يشكله فيه كوكبنا الأرض ذرة ضئيلة من ذراته ( يحتوي الكون على حوالي 350 بليون مجرة !! ).



المصدر
CERN
- Words of Wisdom
- Wikipedia

إقرأ أيضاً ...
- هل يفقد الكون طاقته ؟
- روعة الكون في صور
- ذاكرة باتجاهين : العلم يبحث في القدرة على قراءة المستقبل
- هل سيتحكم العلم من التحكم بالزمن ؟

0 التعليقات:

اهلا بك رأيك يهمنا وتعليقك سينشر هنا مباشرة فلا تتردد بطرح مشكلتك